الدراسات الثقافيّة عند د. علي جواد الطاهر

الدراسات الثقافيّة عند د. علي جواد الطاهر 
(وراء الأفق الأدبي) مثالا.
مجلة آفاق أدبية العدد 1/ 2020 - الصادرة عن وزارة الثقافة العراقية

أ.د. فاضل عبود التميمي
جامعة ديالى: العراق
..................









المدخل:
    نشأت الدراسات الثقافيّة (Cultural Studies) بوصفها ممارسة مستقلّة في إنكلترا الصناعيّة أواخر الخمسينيّات من القرن العشرين، في (مركز برمنجهام للدراسات الثقافيّة المعاصرة) فقد عُدّت ثورة ضدّ المناهج الأدبيّة المعروفة، والمفاهيم التقليديّة للثقافة التي انتجت متونا تابعت روائع المؤلّفين والفنّانين، وكبار الفلاسفة ، لتّتخذ شكل الدفاع والتعبير عن الثقافة غير المكرّسة، تلك التي تتمثّل في الثقافة الشعبيّة، وثقافة المهمشين، وثقافة الحياة اليوميّة المعاصرة( ) التي لا تمتُّ بصلة إلى ثقافة النخب، والخطابات الرفيعة، و مقولات السلطة، وكتابات التمييز بين البشر، بمعنى أنّها حاولت دراسة ثقافة التهميش، وعدم الانحياز، وما ترفّعت عنه الدراسات الأدبيّة النخبويّة ذات السمات الرسميّة، والجماليّة.
    والدراسات الثقافيّة مصطلح حديث يشير إلى دراسات متداخلة المعارف (Interdisciplinary) تهدف إلى فهم الظواهر الثقافيّة المعاصرة التي تعنى أساسا بالصلات المتبادلة بين إنشاءات إنسانيّة متنوّعة تسعى إلى تحليل الشروط التي تؤثّر في انتاج أنماط المؤسّسات ، والممارسات ، والمنتجات الثقافيّة ، واستقبالها ، وأهميّتها بهدف تحديد الأداء الوظيفي للقوى الاجتماعيّة ،والاقتصاديّة ، والثقافيّة ، والسياسيّة ، وبنى السلطة التي تنتج الأشكال المتنوّعة للظواهر الثقافية( )، وقد وضحت منهجيّتها منذ البدء حين عَبَرَت الحدود الفاصلة بين العلوم المختلفة، والفنون بهدف اللجوء إلى التكامل المعرفي الأكثر جذريّة( )، ذلك الذي قادها فيما بعد إلى (بينيّة) تكامليّة معرفيّة لم تعد تعترف بالحدود الفاصلة بين مختلف العلوم الإنسانيّة، إذ بادرت إلى كسر  الحدود، وعبور  جغرافيّتها لتعتمد أثناء ممارساتها الإجرائيّة على المجالات المعرفيّة المجاورة مثل : المقولات الماركسيّة ، وعلم الاجتماع، والأنثروبولوجيا الثقافيّة ، والسيميائيّة ، ونظريّات الأعماق ، والكولونياليّة( )، متجاوزة ما هو تقليديّ إلى حقول أخرى من دون أن تَفْصل بين ثقافة ، وأخرى أو بين إنسان وآخر، أو بين بيئة وأخرى ، رافعة راية البحث في الثقافة بوصفها كمّا ينتج كيفا بلا فوراق وتعدّدات.
   تبنّى النقد العربي الحديث اطروحات الدراسات الثقافيّة ، والنقد الثقافي  في الثمانينيّات من   القرن العشرين ، حين أصدر عبد الله الغذّامي كتابه (النقد الثقافي : قراءة في الأنساق الثقافيّة العربيّة)( ) الذي أعلن فيه بصريح العبارة انتماءه إلى هذا الشكل الجديد من النشاط الثقافي، تنظيرا واجراء ، ايمانا منه بأنّ النقد الأدبي غير مؤهّل لكشف  الخلل الثقافي حين دعا صراحة إلى ((إعلان موت النقد الأدبي، واحلال النقد الثقافي مكانه))( )، ثمّ تبعه جمعٌ من النقاد ، والدارسين الذين لا مجال لذكر أسمائهم ، ومؤلّفاتهم في هذا المقام.
البحث عن الجذور:
   اعتاد قسمٌ من النقاد ، والباحثين أن يبحثوا في جذور كثير من المصطلحات، والظواهر الأدبيّة الوافدة إلى الثقافة العربيّة من الغرب بحسن نيّة تحاول ردّ قسم من  تلك المصطلحات، والظواهر إلى أصول عربيّة، أو تحاول البحث في  الخطاب النقدي العربيّ القديم  إيمانا منها بأهميّة ذلك النقد ، وتعدّد رؤاه ، ثمّ تحاول الكشف عن مقترباته  من النقد الغربي الحديث ، وهذا ما حدث للدراسات الثقافيّة ، والنقد الثقافي بعد أن توطّنا في الخطاب العربي المعاصر، وصارا جزءا من ثقافتنا المعاصرة.
  وليس في هذا الأمر ضيرا إذا كان قد حدث في (الغرب) أيضا حين تقصّى نقدهم ((الجذور التأريخية للدراسات الثقافيّة بالرجوع إلى رايموند ويليامز  R.williams وريتشارد هوجارت R.Hoggart في أواخر الخمسينيات، وأوائل الستينيات من القرن العشرين ، وهكذا حتى نصل إلى إنشاء مركز برمنجهام للدراسات الثقافيّة المعاصرة في 1964))( ).
  ويبدو لي أنّ د.عبد الله الغذّامي نفسه كان من أوائل الباحثين عن ذلك الجذر حين أنكر أن يكون  د.علي الوردي (1995هـ) في كتابه (أسطورة الأدب الرفيع) من تلك الجذور؛ لأنّه بحسب رأيه ((قد أدلى بالدلو الأول في هذا الاتجاه ، إلا أنّ جهده تاه وسط سطوة الآلة الشعريّة الضاربة، خاصّة أنّه لم يطرح قضيّته على مستوى نظريّ ومنهجي))( )، كلام الغذّامي على اقتضابه اعتراف صريح بالورديّ صاحب (الدلو) الأول في النقد الثقافي العربي جهارا نهارا. 
   كان (د.علي الورديّ) صاحب الجذر العراقي الأول في هذا النشاط ، و كانت للشاعر حسين مردان (1972هـ) في مقالاته بصمة العناية بما هو ثقافي ، فضلا عن  د.علي جواد الطاهر(1996م)  في كتاباته( ) التي نحت نحو التفكير الثقافي أيضا، فالاثنان امتلكا القدرة على انتاج خطاب ثقافيّ  غير تقليديّ ، وكانا في كتاباتهما يهدفان إلى كشف الأساليب، والممارسات الثقافيّة التي لها صلة بالحياة بعيدا عن فضاءات النخب، والهموم المترفة ، فـ(حسين مردان) كان شاعرا متمرّدا، وصعلوكا بغداديّا استهوته حياة المعدمين، والأفكار ذات النزعات التجديديّة، فضلا عن عمله الصحفي الذي برّز كتاباته ذات الدرس الثقافي ، و(د. علي جواد الطاهر) كان أستاذا جامعيّا أكمل الدكتوراه في (باريس) ولهُ وَلَهٌ بالمقالة ، والمسرح ، وشعر المتمردين ، والثقافة في إطارها الذي ينّسع لما وراء الأدب ، فقد كان منفتح الرؤى على الجديد ، والمفيد معا.
  (الطاهر) والدراسات الثقافيّة:
   رأى الناقد (حسين القاصد) أنّ (د.علي جواد الطاهر) من أصحاب (الصولة الأولى) في النقد الثقافي ، وأنّ الغُذامي لم يتطرق إلى كتاباته الثقافيّة المبثوثة في مقدمة كتابه (الشعر العربي في العراق وبلاد العجم في العصر السلجوقي)، وأنّه -الطاهر- تفرّد ثقافيّا في ندوة مجلة (الإذاعة والتلفزيون) العراقيّة إبّان السبعينيّات حين حدّد المضمر في بيت الجواهري:
       أنا حتفُهم ألجُ البيوتَ عليهمُ       أُغري الوليدَ بشتمهمْ والحاجبا
      ورأى (القاصد) أيضا أنّ (الطاهر) التفت مبكرا إلى نسق هيمنة السلطة عند شوقي ، وعلّة تناوله ماضي مصر أكثر من حاضرها، فضلا عن حديث (الطاهر) عن المضمر في شعره( ) ، ولا أخالُ (القاصدَ) جانب الصواب فيما رأى، فقد كان (الطاهرُ) نسيج وحده في الثقافة القديمة والمعاصرة، ولكنني وجدته  في مقالات كتابه (وراء الأفق الأدبي)( ) ينزع نزوع الدارس الثقافي، وإن لم يشر إلى المصطلح صراحا بسبب عدم شيوعه عربيّا يوم ذاك ، فقد كان متن الكتاب الأقرب إلى حقل الدراسات الثقافيّة في ما أنتج من مقولات.
    كتاب (وراء الأفق الأدبي) بعنوانه، ومقالاته يندرج تحت حقل الدراسات الثقافيّة، فالعنوان فيه عتبة  تتشظّى  دلالاتها  لتكون مؤشّرا دالّا يسهم في تعيين نوع المقالات، وهو مفتاحٌ إجرائيٌ يمدّنا بمجموعة من المعاني التي تساعدنا في فكّ رموز النص، وتسهيل لحظة الدخول في أغواره ، و تشعّباته الوعرة( )، فضلا عن كونه -العنوان- عتبة اتصال أولى لا يمكن تجاوز دلالتها التي تُعنى بكشف المحتوى العام للكتاب ، وهذا يعني أنّ العنوان مجموعة من العلامات اللسانيّة تظهر على رأس النصّ لتدل عليه، وتعيّنه لتشير إلى محتواه الكلّي جاذبة القارئ إليه( )، وقد ترسّخت في ذهنه صورة ثابتة للمؤلّف الذي مرّ على متونه قراءة ، واعجابا حتى صار اسمه ونوع كتابته معروفين له، ولو دقّقنا النظر في عنوان (وراء الأفق الأدبي) لاكتشفنا أنّه معنيٌّ بما وراء أفق الأدب لا الأدب نفسه، وهذا يعني انحيازه نحو الثقافة بوجهها العام.
   ولو عدنا إلى العنوان الموازي لـ(وراء الأفق الأدبي)، (مقالات) لعلمنا أنّه  بنيةٌ علاميّةٌ لها سمةُ الشارح، والمفسّر للعنوان الرئيس : الأصلي( )، أراد لها (الطاهر) أن تشير إلى مضمون الكتاب الذي يتألف من (مقالات) لم ينصّ على أنها (أدبيّة)، أو(نقديّة) إنما جعلها منفلتة من عقال التعيين، والتحديد إيمانا منه أنّها مقالات (أخرى) لا علاقة لها بالنقد، أو الأدب الرفيع، إنّما هي (مقالات) ترصد الظواهر التي تقع في ماوراء الأدب في حقول سيكشف عنها متن  (البحث) في الآتي من الصفحات. 
   وكان (الطاهر) في لقاءات صحفيّة أجريت معه قد تحدّث عن (نقد آخر) غير النقد الأدبي المعتاد ، قريب من أجواء الدراسات الثقافيّة ، فهو يؤمن أنّ النقد نوعان: الأول - البحث معنيٌّ به - عبارة عن تسجيل الارتياح لقراءة  أثر أدبيّ دون طرح الأسباب والتعليلات، وهو أشبه بتحيّة لذلك الأثر منها إلى النقد الأدبي، وعنده أنّ هذا النقد لا يقلّ أهميّة عن النقد الأدبي، وهو فضلا عن ذلك  يرى أنّ منهجا واحدا لا يكفي للناقد في نقده، بل يدعو إلى اعتماد مناهج متعددة؛ لأنّ اعتماد منهج واحد يؤشّر ضعفا في شخصيّة الناقد، وهوانا في استعداده النقدي( )، فكأنّه تنبّه يوم ذاك إلى نمط من الدراسات التي تتجاوز حدود منهج نقديّ معيّن  إلى أكثر من منهج ، وهذا ما تؤكّده تنظيرات الدراسات الثقافيّة الآن ، فما تفوّه به (الطاهر) يصبّ في مجرى الدراسات الثقافيّة ، وقد أعطى  فكرة عن رغبته في التجديد، وكسر نمط السائد بحثا عن ممارسات  جديدة لها صلة بالثقافة تفعل فعلها في النصوص بعيدا عن النقد الموروث، وقد أوجز سماتها  في الحاجة إلى نقد يبتعد عن طرح الأسباب والتعليلات ، ولا يعتمد منهجا واحدا ، والسمتان تَعُدان -الآن- من سمات الدراسات الثقافيّة التي  تعبر عن جوهر المشروع  الهادف إلى إيجاد متون ما بعد التخصصيّة التي تتجاوز اليقين النقدي الواحد ضمن المتن الواحد ، بعد أن تأكد لها أن الحياة مجموعة من القيم ، والممارسات ، والإنجازات التي لا تقف عند عتبة إيقاع واحد، وإنما تتجاوز ذلك إلى انفتاح مناهجي متعدد الرؤى ، والتأويلات.
    لقد تجاوز (الطاهر) في كتابه حدود حقل الأدب إلى ما وراء الأدب من ظواهر ثقافيّة كان قد تقصّاها من خلال مقالاته  في جريدة الجمهورية البغداديّة ، وقد القى بقسم آخر منها من الإذاعة العراقيّة، وكان يريد لها أن تكون والكلام له ((أبعد منالخبر الصحفي...وأن تجمع الطرافة إلى رصد الحاضر والاهتمام بالغد))( )، وبهذا المقتبس من كلامه نريد التأكيد أنّ الرجل كان يكتب بعيدا عن النقد الأدبيّ ، وقريبا من الدرس الثقافي بمعناه العام الذي نفهمه الآن.
متن الكتاب:
  انفتح كتاب (وراء الأفق الأدبي) على مقدمة تحدث فيها (الطاهر) عن ظروف كتابة المقالات التي وُلدت بسبب الصحافة المقروءة (الجرائد)، والمسموعة (الإذاعة)، التي بلغت خمسا وستين مقالة جمعها فيما بعد في الكتاب لتدور حول موضوعات ثقافيّة عراقيّة ، وعربيّة ، وعالميّة قسّمها المؤلّف في الفهرس على خمسة حقول رئيسة، كان معيار الانتماء المقالي إلى الحقل زمني يتعلق بزمن الكتابة ، ولا علاقة له بموضوعاتها ، وقد اجتهد هذا (البحث) فقسّمها على حقول موضوعيّة ذات دلالة ثقافيّة تتمثّل في : الثقافة الأدبيّة ، والشخصيّات الثقافيّة ، والأجيال الأدبيّة ، والمهرجانات ، والمسرح، وثقافة الشعر، والندوات الثقافيّة ، والترجمة ، والاحداث وأثرها الثقافي ، والكتب والمكتبات ، والجرائد والمجلات، وثقافة اللغة العربيّة، وموضوعات أخرى سيفصّلها البحث في الآتي من التفصيل:
أ-الكتب والمكتبات:
   تنبّه (د.علي جواد الطاهر) إلى موقع الكتاب، والمكتبة في خارطة الثقافة العراقيّة، وأثرهما في التواصل الثقافي، فهما عماد كلّ حضارة كانت فاعلة على وجه البسيطة ؛ كونهما مستودع العلم ، وأرشيف المعرفة ، ومعيار التطور الذي اعتمدته جميع الحضارات منذ أقدمها.
   نَظَرَ(الطاهرُ) إلى (الكتاب) على أنّه ثروةٌ كبرى في الحياة، وهو يعتقد أنّ في العراق كتبا جيّدة ، في البحث، والتحقيق، والشعر، و النقد، وهذا ما فصّل القول فيه  في مقالته (ولدت الدار الوطنية للنشر والتوزيع في أوانها...)، ولكنّ السؤال الذي شغله في تلك المقالة : كيف يصل الكتاب إلى القارئ ؟، فكان الجواب بإيجاد مركز دائم للعرض  على وجه دائم بعد أن لاحظ عن قرب أنّ دور التوزيع التجاريّة لا تعبأ بالكتاب العراقي يوم ذاك ، فكان الحلُّ يومها في ميلاد الدار الوطنيّة للتوزيع التي تتولّى توزيع الكتاب عربيّا وعراقيّا( )، فالطاهر في هذه المقالة كان بصدد المراجعة الثقافيّة لواقع انتاج الكتاب، وتسويقه، وتحليل طرائق إيصاله إلى المتلقي، فهو منشغل فيما وراء متن الكتاب من قضايا لها تماس بصناعته ،وتوزيعه ، وتلقيه أيضا، وهذا الاشتغال يُعدُّ من أساسيّات الدراسات الثقافيّة التي تُعنى بالكتاب تأليفا ، وانتاجا ، وتوزيعا.
   وقد ساء (الطاهر) أن يتعرّض الكتاب - وهو وسيلة اتصال بين الشعوب والأمم- إلى شتّى أنواع السرقة والتدليس، والتجارة الرابحة لأميّين لا يعرفون أصول انتاج الثقافة ، وتوزيع الكتب في مقالته الأخرى (تدليس في نشر الكتب)، بعد أن وقف على ((طبعة لديوان الفرزدق من أسوأ ما طُبع عليه ديوان، وكُتب على غلافها : تحقيق المستشرق سايمز، وتساءل من سايمز هذا بين المستشرقين ؟، والسؤال غير وارد لأنّه لا يوجد مستشرق واحد على وجه الأرض له ما لسايمز من الغباء، والجهل المطلق بأبسط أصول التحقيق ..لا...لا تسل، لأنّه اسم من غير مسمّى ابتكره الناشرُ ابتكارا لسبب تجاريّ صرف))( ).
   في السطور السابقة وضع (الطاهر) ظاهرة السرقة في التأليف، والطبع تحت مجهر التفكيك الأخلاقي، والمراجعة الصريحة الدائمة للظواهر الثقافيّة التي تحيط عادة بالأدب ، وتعمل على التأثير في انتشاره، ويقينا أنّ دعوة (الطاهر) للعناية بالكتاب صناعة ، وتوزيعا تكشف عن توجّه أكاديميّ اقترن يومها بالكشف عن أساليب ثقافيّة حاولت أن تنمّط المنتوج الثقافي ، وأن تقدّمه بشكل جديد اقترن بالممارسة الثقافيّة، وهي في أعلى مستويات الحسّ الثقافي.  
   ولم يكن تنبّه (الطاهر) إلى أهميّة الكتاب، والمكتبة محض رغبة آنيّة مرّت بخاطره إنّما كانت بسبب عضويّ آمن به منذ نعومة أظفاره، فقد عايش الواقع الثقافي العراقي منذ أن دخل دار المعلمين العالية في بغداد في العام 1941م ، وقبل ذلك بالتأكيد، فلاحظ أنّ بغداد بلا مكتبة وطنيّة عامّة ؛ أي بلا أرشيف ثقافيّ عامّ ، ورئة تتنفّس الجديد والمفيد، ولاسيّما أنّها والعراق بشكل عام لهما كمّ من المؤلفين، والقرّاء ، ولكنّ بغداد بلا مكتبة أمّ ، وهذا ما نادى به في مقالة : (بغداد عاصمة من غير مكتبة وطنيّة !) فـ((منذ نصف قرن، وبغداد من غير مكتبة وطنيّة ، وبلغت الحال من الإهمال أقصى ما تبلغ ، وليس معقولا أن يخفى الأمر على أحد ، أما يكفي أن اللوحة التي تحمل اسم المكتبة الوطنيّة مجازا تقوم على واجهة بيت شيّد للسكن؟))( ).
   كان (الطاهر) في النصّ السابق  بإزاء التمهيد لدعوة كبيرة تعلّقت بإنشاء مكتبة وطنيّة تكون لها القدرة على التواصل الثقافي ، والمعرفي في وطن عُرف بثقافة أبنائه كون المكتبة مؤسّسة ذات تأثير ثقافيّ عام ، فضلا عن تأثيرها الخاص في الجامعة، والمؤسّسات الإعلاميّة. لقد قال (الطاهر) رأيه السابق وفيه رغبة كبرى أن يبلغ الوطن أعلى المستويات ، فهو يدرك من موقع الراصد الثقافي أنّ ((وراءنا من التراث المكتبي ما لم يكن لأمّة من أمم العالم منذ بابل وآشور))( )، وأنّ ((عددا لا بأس به من المطبوعات العراقيّة أصبح أندر من المخطوطات...، إذا كنّا نُعنى بالمخطوطات، أو أنّنا ندعو إلى العناية بالمخطوطات، فإنّ الدعوة إلى العناية بالمطبوعات لا تقل عن ذلك))( ).
   وفي مقالة (من أجل مكتبة وطنيّة مثاليّة) يستعير (الطاهر) حراكا ثقافيّا من باريس العاصمة الفرنسيّة التي عاش فيها طالبا في السوربون 1948م ، مؤدّاه أنّ استفتاء ثقافيّا نظّمه (ريمون كينو) بالتعاون مع دار نشر(كاليمار) موضوعه مئة كتاب لا بد أن تتوفر عليها أيّة مكتبة ، لم تكن المقالة معنيّة بالأساس في فحوى الاستفتاء على الرغم من استعراضها لآلياته، ولكنّها كانت على صلة بالسؤال الثقافي الأكبر ((أ يمكن أن نقوم بمثله ضمن ظروفنا وثقافتنا، أم ننتظر نتاج استفتاء باريس للعام الفين؟))( )، لا شكّ أنّ سؤال (الطاهر) الذي جعله خاتمة المقالة كان إحالة على دلالة نسقيّة مضمرة مؤدّاها أن لا استفتاء عندنا إلا في ظل وجود مكتبة وطنيّة عامرة. و(الطاهر) في فورة الدعوة إلى إنشاء مكتبة وطنيّة عراقيّة تنبّه إلى أنّ قرارا حكوميّا كان قد بدأ بتأسيس الكيان المادي للمكتبة على أحدث طُرز، وبسعة تستوعب ما لا يتصوّر فراح بوحي من مسؤوليّته الثقافيّة يقترح تهيئة ((الروح الذي يمازج الجسد ،والمخ الذي يملأ الجمجمة ،والقلب الذي يحيي القفص الصدري حتى إذا انتهى البناء كان كلّ شيء على أتم الاستعداد))( )، في إشارات مغنية إلى ضرورة تهيئة الكوادر المتخصّصة في إدارة المكتبة، وادامة فاعلياتها، فقد أدرك (الطاهر) أنّ الثقافة فعلٌ انسانيٌّ يتأتى بفضل عوامل ماديّة ترتبط باقتصاد الوطن ، فضلا عن تعلّقها بالرغبات الاجتماعيّة القائلة بالتغيير أيضا. وموضوع المكتبة الوطنيّة العراقيّة أثار في ذهن (الطاهر) فكرة تتّصل بها من قريب، فرضت وجودها على قلمه، ففي مقالته (مجلة المكتبة العراقيّة) التي اقترح فيها  استحداث مجلّة خاصّة بالمكتبة  تعنى بأبواب المعرفة المختلفة ، وتكون لها صلات بمجلّات المكتبات العالميّة ، فكرة كان قد  وجدها في فرنسا مثلا، وهو يقلّب مجلة (المكتبة الفرنسيّة) التي تصدر فصليّة كلّ ثلاثة أشهر، وتتولّاها جهةٌ حكوميّةٌ، فضلا عمّا وجده في المجلة النقديّة للكتاب الفرنسي من طعم آخر، وهو حالم بأن يرى مجلّة المكتبة العراقيّة( ). لقد كان (الطاهرُ) في الاقتباسات السابقة خيرَ من دافع عن الثقافة وهو يهمّ في تفكيك أطر المجتمع الثقافي ، ومراجعة مقولاته ، ومساءلة عناياته الخاصّة ، وهدفه إعادة تقييم وسائل الإنتاج الثقافي المتمثلّة في الكتاب والمكتبة ، بمعنى آخر كان الرجل في صلب الدرس الثقافي ، ووسائل تطوّره متداخلا مع الكتاب ، والمكتبة بوصفهما مؤشرين على واقع الثقافة ، والممارسات الثقافيّة ، ولهما  صلتهما المباشرة بطبيعة الوعي الإنساني للفرد والمجتمع.
ب-المجلات: 
    نظرَ(الطاهرُ) إلى الجرائد، والمجلات فوجدها رافدا مهمّا من روافد الثقافة المعاصرة، وهو يعتقد أنّ النقد الحديث  بعامّة وُلد على صفحات الجرائد والمجلات، وأنّه تكوّن من المقالات التي صارت نوعا يُعرف بالمقالة النقديّة ، بمعنى أنّ النقد  عمليّة صحفيّة في الأساس( )، من هنا نفهم سر تعلق (الطاهر) بالصحف والمجلات قراءة ونشرا، فهو من قلّة قليلة من الأكاديميين زاول النشر في الصحافة اليوميّة والاسبوعيّة ، والشهريّة ، وهذا ما فعله في صدر شبابه حين نشر في جريدة (البطحاء) التي صدرت في الحلّة، وحين عاد من بعثة باريس نشر في مجلة (المعلم الجديد) إبّان الخمسينيات، وفي مجلة (المكتبة) ،و(الأديب العراقي)، و (الأديب) البيروتيّة ، وفي السبعينيات عاود الكتابة في جريدة (الجمهوريّة) البغداديّة ، ثم تحوّل إلى جريدة (الثورة)، وكان قبلهما ينشر في مجلة (الفيصل) السعوديّة، و(عالم الكتب)، ومن ثمّ في مجلة (ألف باء) العراقية الأسبوعية( ).
  من هنا أخذ (الطاهر) على عاتقه العناية بالصحافة الأدبيّة بوصفها رافدا ثقافيّا لا يمكن تجاوز منجزه حين قُدّر له الدخول إلى فضائها، واستعملها منطلقا للوصول إلى مساحة أكبر من المتلقين، وهو الأكاديمي الذي لم تلهه الصحافة عن واجباته التي ظلّ حريصا على أدائها ، ومُجدّا في  كتابة  مقالات  ذات الرؤية الثقافيّة  التي شكّلت صدمة لكثير من الأدباء ، والقرّاء لاعتقادهم أن (الطاهر) شيخُ الأكاديميّة الصارمة في (مقدمة في النقد الأدبي) ، ومؤلّف (منهج البحث الأدبي) الدقيق في تنظيره واجرائه( )، لا علاقة له بالثقافة والصحافة !.
   في مقالته (الصحيفة قبل نصف قرن) تحدّث عن فكرة اصدار مجلة (الصحيفة) على يد (حسين الرحال) ، وزملائه بوصفها أداة تبثّ الرأي السليم ، وتحارب التقليد السقيم، فصدرت أدبيّة علميّة اجتماعيّة نصف شهريّة كانت لها دعوة إلى سفور المرأة، وإصلاح الحال، والتطور، وكانت واضحة في أهدافها ، فضلا عن حديثها عن الحركة الأدبيّة  في العراق ، وهي تؤمن بضرورة الهدم أساسا للبناء ، حتى قُيّض لها التوقف بعد العدد السادس ((وما كان لمثلها ، وفي الظروف المحيطة أن تعيش أكثر ممّا عاشت ، ولكن ذكراها ستبقى بمقدار ما حلمت بالمستقبل، وبمقدار ما يذكّر الحاضر بها، فليس سهلا أن تصدر (الصحيفة) في 28/ 11/ 1924، وليس سهلا أن تقارب ثلاثة الأشهر))( ).
   لا شكّ في أنّ حديث (الطاهر) عن مجلة (الصحيفة) يحمل في طياته عناية ثقافيّة عالية اقترنت يوم ذاك بنظرة تحديثيّة أعدّها الآن خرقا لمركزيّة الأدب التي ظلّت مهيمنة على كتابات الأكاديميين سنوات ليست بالقليلة ، ولي أن أعدّ ما قاله الطاهر في الأسطر الأخيرة عن اقتران النقد بالصحافة خرقا آخر، وتحوّلا في الرؤية نحو خطاب ثقافيّ متعدّد الرؤى كان يومها جديدا على الحياة الثقافيّة في العراق. في مقالة (المورد...ولكن) رأى الطاهر أن التخصّص في المجلّات أصبح ضرورة، ولا ينبغي لبلاد لها ما للعراق من حضارة، وتأريخ ، وأدب، ومؤلّفات أن تستهين بالكنز؛ أي بالتراث ، فكأنّه أراد أن يُحيّي إصدار مجلة (المورد) التي تُعنى بالتراث في أول عهد صدورها في العام 1971، فكان ممن اقترح عليها ((المحافظة على المستوى الأحسن، إيصال المجلة إلى الأيدي التي تعرف قدرها في الشرق والغرب من علماء ، ومكتبات، ومعاهد ، ومؤسّسات التبادل مع المجلات المناظرة لتبادل المنفعة ، زيادة باب للأخبار التراثيّة ، عمل مستلّات من الموضوعات المنشورة، صور لصفحات من مخطوطات نادرة))( ).
   اقترن حديث (الطاهر) -هنا- بشكل جديد من أشكال انتاج الثقافة ، واقتراح مضامينها،  وتوزيعها على مصادر جديدة  كانت بالأمس مغيّبة ، أما وقد صار الحديث عن ثقافة المجلّات مسموعا فهذا يعني أنّ نمطا من التفكير الثقافي قد أخذ طريقه إلى  العقل الجامعي.  في مقالة (مجلة المسرح والسينما) دعا (الطاهر) إلى ضرورة أن تصدر  المجلة مستقلّة عن مجلة (الإذاعة والتلفزيون) بانتظام بالنظر إلى أهميّتها الثقافيّة التي تتعلّق بالمسرح، وصناعة السينما في العراق، و((أنّ الحديث عن قضايا المسرح ، والسينما في العالم أنفع ، ولكنّه يكون أنفع لو جاء منهجيّا وتولاه المختصون ، وأنّه بالغا ما بلغ لا يستدعي نسيان المسرح العراقي))( ). في السطور السابقة تتراءى دعوة (الطاهر) إلى تبني ثقافة جديدة تأخذ على عاتقها التبشير بثقافة السينما والمسرح باستقلاليّة تبتعد عن تبني الثقافات الأخرى؛ كي تأخذ شكلها الواضح المستقل في مسار الثقافة العامّة ، بعد أن تأكّد له أنّ الحديث عن السينما والمسرح سيكون أجدى لو تولّاه مختصون في ذلك الحقل الثقافي المهم. 
   وكان (الطاهر) في مقالة (مجلة المكتبة العراقيّة) قد دعا صراحة إلى اصدار هذه المجلة لتتولى التعريف، والنقد بما يصدر في العراق وخارجه، ورصد المنشورات الحكومية التي تصدر عن الوزارات، وأن تترصد الموضوعات المهمّة التي تعالجها الجرائد والمجلات اليوميّة، فضلا عن الحديث عن ثقافة العراق في المكتبة العربيّة( ).
    ومن نافذة المراقب الثقافي كان (الطاهر) قريبا من المجلّات يرصد فاعليّتها المجتمعيّة، وأبرز مشكلاتها الفنيّة والمضمونيّة، ففي مقالة (ازدواجيّة المجلات)، وجد في العراق مجلات جيدة وعديدة، فـ(الف باء) مثلا ضرورة، ولكنّها بدأت تفقد طابعها الثقافي ، فهي بحاجة إلى أن يخرج محرّروها من وراء المناضد إلى الشوارع،  والناس والسوق، والمدرسة، والمستشفى، وله أن يدقّق في عددين من مجلتي (الأقلام) و(المثقف العربي) فهاله أن يجد مجلة (الأقلام) وهي أدبيّة تضع تحت عنوانها الرئيس عنوانا فرعيّا موازيا يقول: (مجلة فكريّة عامة) مع أنّها ليست فكريّة، ولا عامّة، وأن يجد مجلة (المثقف العربي) تضع شعارا لها: (مجلة الفكر التقدمي والأدب الجديد)، وهو شعار لا يتناسب ومضمون المجلّة ،  لكنّ المقولة الأولى ضعفت بعد تحول الأقلام إلى (مجلة الأدب الجديد)، وهذا ما عناه الطاهر في عنوان مقالته ؛ أي كشف الازدواج في الشعارات والمحتوى( ).
   حديثُ (الطاهر) عن الازدواج المعرفي، والثقافي في مجلتين عراقيّتين معروفتين هدفه الأساس فك الاشتباك بين شعاراتهما، والإجراءات التي تلحق بهما جراء النشر ، وهدفه إعادة انتاج المجلات في ضوء سياساتها الثقافيّة المعلنة، فالدعوة هنا تقترن بضرورة البناء الثقافي للمجلة متوافقا مع  هويتها الخاصّة.
  ويحلو (للطاهر) أن يرصد اللغة الصحفيّة في مقالة (لغة مجلة الأسبوع العربي)، وقد رأى أنّ مجلة (الأسبوع العربي) اللبنانيّة ترتكب أخطاء نحويّة  في أبسط القواعد من الجار والمجرور ، والفاعل والمفعول ، والعدد والمعدود ، وخبر كان ، واسم إنّ فضلا عن أخطاء الإملاء ، وهي -المجلة- غنيّة بانتشارها ، وعدد محرريها، وملايينها  ، وآلافها و (( أليس من الممكن أن تستغل الأسبوع العربي قليلا - قليلا جدا- من هذه الآلاف في ضبط اللغة، واللغة عنصر صحفيّ إذا لم تكن عنصرا قوميّا ؟))( ).
   الحديث عن تكرار الأخطاء اللغويّة، والأسلوبيّة في مجلة معروفة يوم ذاك يقوم عند (الطاهر) على صدق المساءلة مع (الآخر)
 الثقافي القريب ، والحرص على لغة المجلّة بوصفها أداة الاتصال مع المتلقي ، وهو نمط من التواصل الذي يقترن بالممارسة الثقافيّة التي تكسر الفواصل التقليديّة بين صناعة الثقافة ، ومتلقيها ،وتفتح المجال للنظر في الثقافة بوصفها انتاجا، وللنظر في وسائل انتاجها ، وتوزيعها ،وطرائق استهلاكها؛ وذلك لأنّ الثقافة ذات طبيعة اتصاليّة تحدث بالاتصال والاتصال يحدث بها( ).
  أمّا في مقالة (آداب المقابلة الصحفيّة) فقد سجّل (الطاهر) ملاحظة دقيقة وشجاعة عن الصحافة العراقيّة يوم ذاك حين قال ((في البلد صحافة ضيّقة المدى، ولكنّها تسعى لأن تكون سجّلا للحركة الفكريّة))( )، كان هذا مقدمة للحديث  عمّا يجب أن يكون عليه الصحفي، وهو يجري المقابلات، وأولها الإلمام بالموضوع الذي يسأل فيه، وعن جوهره وتأريخه، وأعلامه ، مبتعدا عمّا هو شائع ذائع ، وأن يكون الصفي أمينا في ما ينقل من إجابات، وأن يكون النشر سريعا كي لا تفقد المادة الصحفيّة قوّتها.
   واضح أن رأي (الطاهر) في طبيعة الصحافة يوم ذاك يندرج في مسار تفكيك طبيعة المحتوى الثقافي للصحف العراقيّة، ونقده في ضوء ما تقدّم من ثقافة وخبرات، وقد أدرك ضيقها في ما تنشر ، وفيما تبشّر، وهو موقف يندرج ضمن المواقف المعارضة لتوجّهات المؤسّسات الصحفيّة يوم ذاك، أمّا رأيه في شؤون المقابلة الصحفيّة فيتساوق مع ضرورة الإعداد الثقافي للصحفي الذي يتمّ من خلال تهيئة الكوادر الصحفيّة مهنيّا لغرض انتاج ثقافة متكاملة تعبّر بالكلمات التي تحيل على الأفكار، وتستحضر في قصص الأخبار، والتصنيفات التي ترتبط بها في أذهاننا ثقافة ما ؛ لأنّ الكلمات، وسائل لوصف العالم، ولكنّها وسائل ممتزجة بافتراضاتنا، وأحكامنا المسبقة، ومنظوراتنا، وتأويلاتنا أيضا( ).، تلك التي تعبّر بالضرورة عن وجهات نظر قد تتقارب ، أو تتباعد ، ولكنّها في النتيجة تعطي فكرة عن طبيعة التفكير الثقافي العام.
ت-أدباء في متن ثقافي:
  وكان (الطاهر) قد قرأ مكانة قسم من الأدباء العراقيين ، والعرب بعيدا عن مقولات النقد الحديث واشتراطاته التي تتعلّق بالكشوفات الجماليّة التي تحيل على الأديب بوصفه كائنا من نسيج خاص، وهم:
1- الشاعر الجواهري:
   أول الأدباء الذين شملهم (الطاهر) بالدرس الثقافي الشاعر (محمد مهدي  الجواهري) الذي عدّه شاعر الجماهير؛ أي الذي له جمهوره  الذي يرتفع إليه ((وهو يعلو بنفسه ، ولم تحدّثه نفسه يوما  أن يستهين بالفن العالي تملّقا للعامّة ، أو للفكرة ، أو أن يلوّث هذا الفن بخروجه عن طوره تكلّفا للغموض، وادعاء للتجديد ، ولو حاول لما طاوعته نفسه، ولمَ هذه المحاولة الرخيصة التي تأباها الموهبة الكبيرة ، إنّ الموهبة أقوى من الأسباب الموجبة للتنازل))( )، فـ(الطاهر) يريد أن يقول إنّ الشاعر من خلال شعره استطاع أن يخلق لنفسه مكانة اجتماعيّة، وتواصلا فريدا مع جمهوره، فقد استطاع وهو صاحب سيرة شعريّة ثقافيّة أن يمتلك ((ميزة يسميها علماء الاجتماع الكارزما charisma، وهي القدرة على استلهام الثقة، والتبعية في الجماهير، والتأثير في عقولهم وفي مجرى الأحداث))( )، ولهذا -والحديث للطاهر- كثر أعداؤه ،وهم ((لا يبلغون مداه، وقد جهدوا فآدهم السعي ، وهو في الانحطاط عنه سواء : قريبهم،  وبعيدهم ، وعدوهم ، جديدهم ،و قديمهم))( ).
   لقد حاز (الجواهريّ) على الشهرة، هذا ما يريد (الطاهر) تأكيده، والشهرة ترتبط عادة بموهبة كبيرة يمتلكها الأديب أو الفنان، ولكن شهرة الجواهري لم تكن مصنوعة أو متبوعة بنرجسيّة الذات الخاصّة بالشاعر، إنّما هي شهرة بدأت من الهامش اليومي للحياة النجفيّة في العقد الأول من القرن العشرين غذّاها الشاعر جماهيريّا بثقافة الشعر المتّصل بتأريخ يمتد إلى سنوات بعيدة في تأريخ الأدب العربي.
   ويرى الطاهر أنّ ((الجواهري صعب ، وصعب جدا -أنا معك- وقد يكون أصعب من الجاهلي، والأموي، والعباسي ،ولا بد أن يكون أصعب ولكنّه - مع ذلك- أسهل شاعر بدليل انسجام العامّة وإياه، وتأثرهم بمعانيه، واعجابهم بفنّه - ولا غرو أن سُمي شاعر الرعاع ))( ).
   تأكيد (الطاهر) أنّ الجواهري شاعر الرعاع يرتفع به من شاعر البلاط الملكي الذي عمل به في أول شبابه إلى شعريّة الرعاع المهمشين التي كسر من خلالها (الطاهر) مركزيّة النص التي صارت تأخذ الشعر من حيث ما يتحقّق فيه، وما يكشف عنه من أنظمة ثقافية( ) لها علاقة بطبقات اجتماعيّة معيّنة إلى ثقافة التهميش التي نظّرَت لها الدراسات الثقافيّة التي ظل النقد الجمالي يطردها من عناياته بوصفها هوامش لا قدرة لها على فهم الشعر؛ لأنّها خلقت لتكون في راكس القعر! ، فالطاهر في تأكيده السابق حاول أن يردم الهوّة بين ثقافة النخبة ، وثقافة الجمهور ، تلك الهوة التي تمزّق وحدة الثقافة والهوية، مستخدما الصحافة وسيلة فاعلة في ذلك( ). 
  ولا يتوانى (الطاهر) من التصريح الذي يحيل على شعبيّة الجواهري، وتمكّنه من عبور النخبويّة إلى الحالة الثقافيّة العامّة حين يقول ((لقد التقى في الإعجاب بشعر الجواهري عدوّه وصديقه ،أما إعجاب الصديق فيسهل فهمه ، ولكن العسر في اعجاب العدو فلا بد من أن يكون للشاعر سرٌّ غريبٌ يأسر به ويستولي ...، ويؤثّر حتى في هذا المخلوق المصمّم المستعصم))( ).
   ترى كيف نفسر اعجاب المختلفين في الجواهري انسانا وشاعرا ؟ واقع الحال يؤكّد أنّ النظام الثقافي للنجوميّة لن يعمل من دون مشاركة الجمهور باستثمارهم العناية ،والتأثر بنجومهم المفضلين؛ لأنّ نظام النجوميّة ، أو الشهرة كما هو حال الجواهري نظامٌ ديمقراطيٌّ على نحو كبير إذ الجمهور عليهم أن يكونوا مولعين بمشهوريهم على نحو جاد؛ بسبب التسويق لنتاجهم ،والشهرة قبل كلّ شيء هوية شخصيّة وتماه مع الآخر أكثر منها تسويقا محضا( )؛ وهذا يعني أنّ شهرة الجواهري ما كانت إلا بسبب اعجاب الجميع.  
2- الأديب يوسف الصائغ:
   كتب (الطاهر)عن الشاعر، والروائي ، والمسرحي، والرسام يوسف الصائغ يقول ((عرفته منذ 1954، ولم يكن طالبا اعتياديّا في دار المعلمين العالية ، فقد كان يشتمل على أديب ، ومن كان كذلك تمرّد، ومن تمرّد فرّ خارج الدار... وأدّاه العناد إلى ضرر ظاهري))( ).
   يلاحظ أنّ (الطاهر) استهل خطابه عن الأديب من زاوية التمرد الاجتماعي ، بعيدا عن نشاطه الأدبي ذي الهويّة المنصوص عليها في استهلال الفَقْرة ، وقريبا من نشاطه الاجتماعي فما يهمّ (الطاهر) اقتران التمرد بالعناد، والقبول بفكرة أن الأدب تابع لهما على الرغم من الضرر الذي حصل للصائغ والمراد به تأويلا السجون والمطاردة. 
   وحين قرأ (الطاهر) ديوان الصائغ (اعترافات مالك بن الريب) قال: ((فنان يمزج الحقيقة بالخيال حتى يضيعها فيه ، ويضيعها فيها ، ويمزج التراث بالمعاصر فتعجب له، واليومي بالأسطوري فتدهش له...، والواقعي بالسريالي، والمسيحي بالمسلم ، والشيوعي باللاشيوعي ...، ويمزج يوسف الصائغ بأيّ دم ،وأيّ خوف ،أو أيّ حساب ، وأيّ شجاعة يدخل نفسه فيها ،أو يدخلها في نفسه - كأنك في شعره في يوم القيامة ويوم ينفخ في الصور-))( ).
   واضح من النصّ السابق أنّه قائم على فكرة انفتاح الثنائيات، التي هي ((المبدأ الأساس المتحكم في تنظيم كلّ كون ثقافي))( )، فحضور الحقيقة والخيال، والتراث والمعاصرة، واليومي، والأسطوري ، والواقعي بالسريالي...، من شأنه أن يبرّز الوضع الثقافي للصائغ ، ويسهم في دراسته في ضوء ما تحمله تلك الثنائيات من دلالات متعارضة تقود إلى مزيد من التحليل الثقافي للأديب نفسه.
3- القاص محمد خضيّر:
    وفي مقالة (محمد خضير وحده) بدأ (الطاهر) الحديث عن القاص  بعيدا عن قصصه ، قريبا ممّا هو فيه، فمحمد خضير والكلام للطاهر ((قليل النشر ، قليل الظهور في المجتمع ... فمن هو ؟ وأين يسكن؟ ومن رآه ؟ ، ولكن ما ذُكرت القصّة العراقيّة المعاصرة إلا ذكر، وما ورد اسمه إلا صحبة التكريم ، وفي التكريم مدح قصصه ، واطراء بنائه ، والنص على تجديده))( ).
   واضح جدا أنّ (الطاهر) ما كان معنيّا بالقصص قدر عنايته بالأديب ،أي العناية بثقافته التي تتقدّم على قصصه، فالثقافة أولا المؤثرة في انتاج النصّ القصصي عند (محمد خضير) فضلا عن كونها ممارسة تقود إلى وعي خاص بالنصوص الأدبيّة المؤثرة في ذاكرة الناس ثانيا.
 ويضيف (الطاهر) وهو بصدد الاحتفاء بالقاص نفسه : ((إنّه شابٌّ لا يلفت النظر فما بناؤه بضخم ،ولا صوته بعال، ولا مجلسه بقلق يتدخل فيما يعنيه ولا يعنيه ،وهو هادئ وصوته هادئ ، وكأنّه درس كل شيئ فيه، وفي الآخرين، وعرف قدره ، وقدرهم من دون غرور وعلى غير سذاجة  يجيبك على مقدار سؤالك أو أقل))( )، فـ(الطاهر) -هنا- ما كان بصدد تحليل القصّة القصيرة لـ(محمد خضير) بل كان راغبا في تحليل حيواته الفرديّة، والوقوف عند صلتها القصوى بقصصه ،من خلال ثقافته. 
ث-ظاهرتان ثقافيّتان: 
شُغف (الطاهر) في كتاب (وراء الأفق الأدبي) بالحديث عن ظواهر ثقافيّة تقع عادة فيما وراء أفق الأدب لشعوره أنّها تتداخل مع الأدب ، وتكمل مسيرته بوصفها ممارسات ثقافيّة تجمع بين الذات الفاعلة إبداعا ، والمحيط الثقافي ، فهي تقع في المنطقة التي تتكامل بها شروط الثقافة وأبنيتها بعيدا عمّا هو مركزيٌّ، وقريبٌ من الهامش الثقافي من أمثال:
أولا: الجائزة الأدبيّة:
درجت الحياة الثقافيّة في العراق منذ السبعينيّات من القرن الماضي على تخصيص جوائز ماديّة ، أو اعتباريّة لحقول مختلفة في الحياة الثقافيّة تشجيعا للأدباء في مسيرتهم الحياتيّة ، واعلاء لطبيعة الأدب العراقي الحديث ، فكانت هناك أكثر من جائزة تقدّم في حقول مجالات مختلفة ، وكان القائمون على تلك الجوائز يعتمدون على النقاد، والأدباء في تحكيم شؤون تلك الجوائز بإيجاد معايير خاصّة يترشّح من خلالها الفائز، ولعلّ (د.علي جواد الطاهر) كان واحدا ممن اعتمد عليه في أكثر من جائزة.
يذكر (الطاهر) أنّ إذاعة (صوت الجماهير) البغداديّة كانت قد نظّمت مسابقة في القصّة القصيرة، وقد بلغ مجموع من اشترك فيها (325) قاصّا، مقابل ثلاثة من النقاد، فكان عليهم طرح ثلاث مئة وقصّه لرداءتها ، ليبقى عدد القصص المتسابقة (24) قصّة يطمع صاحبها بالجائزة، واهتبال الفرصة. كانت نيّة النقاد الثلاثة منعقدة على حجب الجائزة الأولى ، لكنّ أحدهم  بادر بحسم الموقف فتبعه الاثنان ، ثم شرع الثلاثة يكتبون قرار الفوز بتقدّم قصّة (الوصيّة) التي لم يعرفوا صاحبها فقد حُذف الاسم، واستبدل بالرقم السري (230)، ولكنّهم كانوا يعرفون عن قناعة أنّها قصّة جديدة بمعنى يندر أن يُكتب مثلها ، وطريفة ، ونقية بلا عبث بل في جدّ، فضلا عن أنّها متماسكة، وبإيجاز كانت ،والكلام للطاهر الحلقة المفقودة في التطوّر القصصي العراقي( )؛ ولهذا استحقت الجائزة الأولى، واستحق كاتبها (محمد سعدون السباهي) الجائزة. 
واضح من السرد السابق أنّ منح الجوائز فيما مضى من الأعوام كان صارما في آليات تحكيمه، إذ تخضع النصوص لمعايير تحتكم إلى مسائل مختلفة ؛ ولهذا فإن الفائز يومها يتبوّأ مقعده في وسط الحياة الثقافيّة لتكون الجائزة بداية الطريق لا منتهاه ، وهذا يعني الربط بين الثقافة، والتجارب الشابة التي يُتوسم لها النجاح.
ثانيا: الجيل الأدبيّ:
  ترتبط فكرة الجيل الأدبي بشكل عام بالتحولات السياسيّة، والاجتماعيّة، والاقتصاديّة ، وليس للعامل الزمني تأثير فيها على الرغم من أهميته في التحديد الزمني ، بمعنى أنّ تلك التحوّلات تقود إلى تحولات أخرى في الأدب،  والفن ، والثقافة بشكل عام تعزّز من مكانة الجيل المنتج لها لتعمل على بلورة أساليب خاصة به .
 وفي العراق تعارف الجميع على أن فكرة الأجيال الأدبيّة تبدأ في العصر الحديث بجيل الرواد، في إشارة إلى جيل السياب، ونازك ،والبياتي، الذين قامت ريادة الشعر الحديث (شعر التفعيلة) على جهودهم الشعريّة بعد الحرب العالميّة الثانية، وانتشار الأفكار الجديدة ، وكان قد زاملهم عدد من القاصين، والروائيين ، فكأنّ الريادة عُقدت على إبداع ذلك الجيل الذي ظهرت ملامح كتاباتهم الجديدة في الأربعينيّات من القرن العشرين ، ثم تلاه جيلٌ آخر ُسمي بالجيل الخمسيني كونُه ظهر في الخمسينيّات، ثم كان الجيل الستيني الأشهر في تأريخ الثقافة العراقيّة.
في مقالة (هل من سبعينات)( ) أراد الطاهر أن يبشّر بجيل جديد اقتفى أثر الجيلين السابقين بعد أن كفّ أدباء الخمسينيات كما قال ، ولهم فضل إرساء مرحلة من أخطر مراحل الأدب في العراق الحديث ، ثم قدّر للستينيين - والكلام لمّا يزل للطاهر- بحماسهم وطماحهم أن يكونوا فرسان الأدب يومها ، مع أن القارئ يبحث عن الجميل بغض النظر عن جيل مبدعه.
وجد (الطاهر) نفسه مضطرا لأن يؤكّد أنّه منزعجٌ من أمر السبعينيّات، فالشباب يومها يعيشون مرحلة الكتابة من خلال (الصح والخطأ)، على الرغم من اصدارهم مجاميع شعريّة، وقصصيّة عديدة إلا أنّه رأى فيها أوراقا مسوّدة بحبر، في إشارة إلى خلو كتاباتهم  من فكرة الأدب ، فقد دخل العام الثالث من العقد ولم تلد السنوات أثرا يلفت العين ، والوضع الثقافي بحسب رأيه يوم ذاك بين ثلاثة حالات: الأولى إنّ أهل الأدب لمّوا شباكهم ، وبقي من بقي منهم حائرا بين ما هو كائن ، وما يريد أن يكون، في إشارة كنائيّة إلى هجرة الكثير من الأدباء إلى الخارج ، والثانية أنّ الأدب أسلمهم  إلى الدينار، ولم يسلمهم الدينار الى الأدب، أما الثالثة  فمؤداها ضعف الأمل في أهل الأدب إلى درجة اليأس.
    كان هجوم (الطاهر) على الجيل السبعيني في العراق  من زاوية الحرص على مخرجاته  الإبداعية ، وتفكيك حالة السكون التي شخّصها (الطاهر)، وهو الأعرف أن الجيل لا يولد بيسر ، ولا يتكوّن بيسر، فكيف بجيل عاشر الحرب، وعاشها ،ورضي لنفسه أن يكون شاهدا على زمن مرّ، وسنوات عجاف؟.
وبعد: هل هذا كلُّ ما في الكتاب ؟ لا فهناك قضايا أخرى طرقها الكتاب هي : المهرجانات الأدبيّة ، والمسرح، وأصول الترجمة ،  والندوات الأدبيّة والفنيّة ، والمواهب، وأزمة الأصوات ، ومرض العالميّة ، ونكسة 5 حزيران وأثرها في الأدب، ومتعلقات النقد لم نتطرق اليها بسبب ضيق المقال.
وهكذا يتبيّن من متن المقالات السابقة أن (الطاهر) في (وراء الأفق الأدبي) يبحث عن ملمح ثقافيّ في الآفاق التي يطرقها ، وهذا ما يؤكد أنّه كان مفكّرا نقديّا وناقدا ثقافيّا أكثر منه ناقدا أدبيّا ، وهو ما أعطاه قيمة أكبر، و ريادة أعرق، وتأثيرا أشمل( )، وأنّ قارئ الكتاب سيكتشف حال إتمام القراءة أنّ (الطاهر) انصرف إلى دراسات مختلفة متداخلة المنهج تجمع علوم الاجتماع ، والأنثروبولوجيا ، والفلسفة ، والإعلام ، والاتصال ، وعلم النفس أيضا ، تلك التي تسمّى في لغة الاصطلاح  (Interdisciplinary Studies) حين قرّر بمحض ارادته معالجة أشكال ثقافيّة معاصرة  لا علاقة لها بالمنزلة العليا لمنتجها ، بدءا من الكتاب ، والمكتبة ، ومرورا بالمجلات، وانتهاء بالظواهر الثقافية .
  لقد سعى (الطاهر) في (وراء الأفق الأدبي) إلى ادراك طبيعة الوعي الثقافي للمؤسّسات والافراد، وحاول جاهدا الوقوف عند المؤثرات التي تعنى بالخطاب الثقافي، وهو يرصد المجتمع ، وسؤالات الدرس العابر للتخصّص النقدي ، والأدبي ، وتاريخ الأدب، وغيرها اعترافا بالروابط الكائنة بين المناهج التي تؤدي جميعها إلى قراءات مركبّة المعارف منفتحة على بعض إيمانا بأنّ الأدب قديمه ، وحديثه نتاج تفاعل الإنسان مع ما يحيطه.
الخاتمة:
1- وضح للبحث أنّ (الطاهر) في كتابه (وراء الأفق الأدبي) وقف عند المؤثرات التي أسهمت في انتاج الثقافة العراقيّة ، والممارسات التي وجد نفسه معنيّا في الإحاطة بها ايمانا منه بأهميّة الثقافة في الحياة.
2- ما قام به (الطاهر) في (وراء الأفق الأدبي) تجاوز التحليل المحض إلى تفكيك قسم من الظواهر الثقافيّة التي تحيط بالأدب وحاول نقدها .
3- إن الطبيعة الثقافيّة للكتاب أحالت على مبدأ المساواة عند (الطاهر) فهو لا يؤمن مطلقا من خلال الكتاب بمبدأ الفصل بين ثقافة النخبة ، وثقافة المهمشين ايمانا منه بأن الثقافة كلٌّ لا يتجزّأ.
4- حرص (الطاهر) على دمج الثقافة بالمجتمع في محاولة منه للنهوض بهما معا، فقد أدرك العلاقة المتبادلة بينهما ، فكان أن اتخذ من الكتاب، والمكتبة، والمجلة خطابات تنبّه، وتحيل وجهها نحو المجتمع .
5- كان (الطاهر) في (وراء الأفق الأدبي) قد تجاوز  تخصّصه الأكاديمي إلى نشاط آخر مغاير متنوع في قراءاته الخاصّة بالظواهر الثقافيّة المختلفة  الراصدة  سياق العلاقات الثقافيّة ، والاجتماعيّة معا قبل أن يُعرف مصطلح الدراسات الثقافيّة في العراق ، أي أنّ (الطاهر) تجاوز التخصص النقدي المحض إلى ما وراء  التخصصيّة ؛ بمعنى أنّ الكتاب من الدراسات البينيّة الثقافيّة بمفهومها الشامل. 
الإحالات:
  - ينظر: الدراسات الثقافيّة التاريخ- المادة- المنهج- الأهداف : جون باتنز: ترجمة: لطفي السيد منصور: مجلة فصول : عدد خاص بالنقد الثقافي: م25/3 ع 99ربيع 2017 :236 . 
  - ما النقد الثقافي؟ ولماذا؟ : عبد النبي اسطيف: مجلة فصول : عدد خاص بالنقد الثقافي: م25/3 ع 99ربيع 2017: 22- 23.
  - نفسه :22.
  - ينظر: القرن العشرون (المداخل التأريخيّة والفلسفيّة والنفسيّة: ك. تلوولف وآخرون: ترجمة: إسماعيل عبد الغاني وآخرون: المجلس الأعلى للثقافة : القاهرة : ط1: 2005: 252.
  - النقد الثقافي قراءة في الأنساق الثقافيّة العربيّة : عبد الله محمد الغذامي : المركز الثقافي العربي: بيروت - المغرب:  :2000 .
  - النقد الثقافي قراءة في الأنساق الثقافيّة العربيّة : عبد الله محمد الغذامي :  8:2000 .
  - طرائق الحداثة ضد المتوائمين الجدد: رايموند وليامز: ترجمة فاروق عبد القادر:عالم المعرفة (153) الكويت : 1999: 254.
  - نفسه: 87.
  - النقد الثقافي : ريادة وتنظير وتطبيق – العراق رائدا: حسين القاصد: التجليات للنشر والترجمة والتوزيع: القاهرة: ط1: 2013: 13. 
  - ينظر: نفسه: 14.
  - صدر عن وزارة الاعلام العراقية سلسلة دراسات 125: 1977.
  - ينظر: السيميوطيقا والعنونة : د. جميل حمداوي: عالم الفكر، الكويت، مج25، ع23، يناير: مارس 1997: 90.
  - ينظر: عتبات (جيرار جنيت من النصّ إلى المناص): عبد الحق بلعابد: ناشرون: الاختلاف ط1: 2008: 67.
  -  ينظر: عتبات...: 68.
  - ينظر: ج. س  أجوبة عن أسئلة في الأدب والنقد: د. علي جواد الطاهر: دار الشؤون الثقافيّة العامة: بغداد: 1997 :15، 117، 118، 145، 209، 320.
  - ينظر: وراء الأفق الأدبي: المقدمة : 5.
  - ينظر: نفسه : 152.
  - نفسه: 220.
  -نفسه : 196.
  - نفسه: 199.
  - نفسه: 116.
  - نفسه: 128.
  - نفسه: 197.
  - نفسه: 117- 119.
  - ينظر: ج. س  أجوبة عن أسئلة في الأدب والنقد: د. علي جواد الطاهر: 69، 70.
  - ينظر: مقالات : سعيد عدنان: اصدار جامعة الكوفة : ط1: بيروت : 2018: 236- 240.
  - مدارات نقديّة في إشكاليّة النقد والحداثة والإبداع  : فاضل ثامر : دار الشؤون الثقافيّة العامّة : بغداد: ط1: 1987: 92.
 - وراء الأفق الأدبي : 188.
  - نفسه: 122.
  - نفسه: 150.
  - نفسه: 119.
  - ينظر: نفسها: 102- 107.
  - نفسه: 225.
  - ينظر: دليل مصطلحات الدراسات الثقافية والنقد الثقافي :د . سمير الخليل : مراجعة وتعليق :د. سمير الشيخ : دار الكتب العلمية بيروت: ط1: 2016 : 131.
  - نفسه: 175.
  - ينظر: الدراسات الثقافية مدخل تطبيقي : مايكل رايان بالاشتراك مع : برات إنكرام وحنا موسيول: ترجمة وتحقيق وتقديم: د. خالد سهر: دار بغداد: ط1 2016: 270.
  - وراء الأفق الادبي: 17.
  - الدراسات الثقافية مدخل تطبيقي : مايكل رايان: 305.
  - وراء الأفق الادبي : 17.
  - نفسه: 18.
  - ينظر: النقد الثقافي قراءة في الأنساق الثقافية العربية : عبد الله محمد الغذامي: 17.
  - ينظر: الفكر النقدي عند الدكتور علي جواد الطاهر في ضوء القراءة النسقية : أ. د. قيس الخفاجي: مطبعة دار الصادق : مركز بابل للدراسات الحضارية والتاريخية: 2012: 339.
  - وراء الأفق الأدبي: 18-19.
  - ينظر: الدراسات الثقافية مدخل تطبيقي : مايكل رايان: 309. 
  - وراء الأفق الأدبي: 20.
  - نفسه: 22.
  - الكون السيميائي وتمثيل الثقافي يوري لوتمان نموذجا :
عبد الله بريمي: مجلة فصول :عدد خاص بالنقد الثقافي: 57.
  - نفسه: 24.
  - نفسه: 26
  - ينظر:  وراء الأفق الأدبي:12. 
  - ينظر: نفسه: 35.
  - ينظر: الفكر النقدي عند الدكتور علي جواد الطاهر: 337.

إرسال تعليق

0 تعليقات